العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. لم أعلم أن هناك من يروننا دونهم

يمنات

أحمد سيف حاشد

– خلال أكثر من خمسين عام من عمري، لم أكن أعرف أن هناك فئات سكانية أو مجتمعية في اليمن تحتقر مهنة دباغة الجلود و العاملين فيها، و تنظر إليهم بنظره دونية .. كانت الفكرة الراسخة في ذهني أننا ننتمي إلى طبقة الفقراء فحسب، و لم أعلم أن هناك فئات سكانية، و بيئات قبلية و بدوية، ترانا دونها إلا في فترة متأخرة من حياتي .. ما كنت ألمسه في محيطي و غير محيطي الذي أعرفه أن مهنة دباغة الجلود، لا تختلف عن غيرها من المهن من وجهة نظر الوعي السائد في اليمن كله..

– ما كنت أعلمه في العهد الاشتراكي القائم في عدن ثم فيما تلاه، هو أن أبي بدأ حياته عاملا في مهنة دباغة و تفنيد الجلود، و أنه ينتمي للطبقة العاملة، و أننا ننتمي لطبقات الفقراء، أو قل إن شئت من أسر ذوي الدخل المحدود .. و قد وُجدت في جنوب اليمن إبان العهد الاشتراكي حماية قانونية، و نصوص عقابية لمن يعيّر أو يحتقر أو يسيء إلى أحد المواطنين بسبب انتمائه المهني أو حتى الطبقي المتدني..

– بل أذكر في بعض ما تعلمته، من قانون العقوبات و شروحاته في كلية الحقوق بعدن، أنه إذا وجه أحدهم إهانة صاعقة أو احتقار شديد أو إساءة بالغة إليه، و أرتكب من وُجهت إليه هذه الإساءة البالغة ـ جريمة فعل القتل ضده، تحت تأثير الهياج النفسي الشديد الناتجة عن تلك الإساءة البالغة، فلا يقاد القاتل به..

– و تفسر الشروحات هذا النص، و تعيد السبب؛ لأن فعل القتل تم ارتكابه من قبل الجاني في لحظة الهياج النفسي الشديد جرّا الإساءة البالغة الموجه له من المجني عليه، و على نحو أخرجت مرتكب الفعل عن حالته الطبيعية بشدة، فطار صوابه و عقله على نحو أفقده لحظتها الوعي بتقدير أفعاله، تحت تأثير الهياج النفسي الشديد الذي تسبب فيه المجني عليه .. و القانون النافذ أنذك في الجنوب ـ هو قانون جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و الصادر في العام 1976 ـ  و الذي قيّد القاضي بالحد الأقصى للعقوبة و هي خمس سنوات سجن.

– هذه الحماية القانونية قد دعمتها أيضا و عززتها الثقافة السائدة، أو بالأحرى الوعي الاشتراكي السائد في الجنوب، و الذي كان منحاز أيديولوجيا لصالح طبقات الفقراء، أو ما كان يسميهم طبقات العمال و الفلاحين، و كذا الشرائح الفئات الأخرى مثل الحرفيين و الصيادين، أو من يعتبرهم إجمالا  بـ “أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة”..

– بل و وصل الأمر بهذا الوعي إلى الحد الذي جعلنا نعتز بهذا الانتماء، و نجل فقرنا بإعتزاز، و لم نشعر بأي انتقاص يوما بسبب المهنة، أو تدني المستوى الاجتماعي لنا، و أكثر من هذا، كانت توجد إجراءات اقتصادية، و اهتمام لافت و بحماس فياض، يتم بذله من قبل السلطات نحو شريحة المهمشين، و العمل على رفع مستواهم الاقتصادي و التعليمي و الاجتماعي، و بذل محاولات كثيرة و متتابعة لإعادة دمجهم في المجتمع، لا سيما في عهد الرئيس سالم ربيع علي و المشهور بـ “سالمين”..

– و كانت من الهتافات الأخاذة و الآسرة في ذلك الحين، و التي سمعتها بنفسي من قبل المهمشين أثناء دراستي الإعدادية في طور الباحة بمحافظة لحج، في سبعينات القرن المنصرم هتاف “سالمين قدام قدام .. سالمين ماحناش أخدام .. سالمين عمال بلدية .. سالمين منشاش اذية ” و تم منع وصف أي عامل بلدية بالخادم كما كان.

يتبع

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى